حسام السويفي يكتب: «وشهد شاهد من قتلتهم».. اعترافات رئيس الموساد بإحباط السيسي مخطط التهجير تفضح الأكاذيب الإخوانية
لم يكن تصريح رئيس الموساد السابق يوسي كوهين مجرد معلومة عابرة، ولا تسريبا محسوبا، بل كان صفعة مدوية على وجه كل المتاجرين بالقضية الفلسطينية، وكل الذين ظلوا لسنوات يحولون الشائعات إلى وقائع، ويتعاملون مع الأكاذيب كأنها حقائق مقدسة.
فحين يعترف رئيس جهاز استخبارات الاحتلال، الجهاز الأكثر عداءً لمصر، بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو من أحبط خطة التهجير الكبرى للفلسطينيين إلى سيناء، فهذا اعتراف ثقيل، لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن التقليل من دلالاته السياسية والأمنية.
الأخطر أن هذا الاعتراف يهدم، من أساسه، كل الرواية التي روجتها جماعة الإخوان ومنصّاتها الإعلامية طوال عامين كاملين، تلك الرواية التي كانت تقوم على معادلة مفبركة: «السيسي يغلق المعبر حتى يُقتل أهل غزة».
حين يأتي الكلام من داخل عصابة الاغتيالات والاستخبارات، فهو ليس كلام مجاملة ولا ضغط سياسي، بل
تقدير مضطر من عدو يعرف تماما أن مصر بقيادة السيسي، أفشلت أخطر مشروع كان سيغير خريطة المنطقة
اعترافات يوسي كوهين جاءت في كتابه الجديد «بالأحابيل تصنع لك حرباً»، الذي صدرت نسخته الإنجليزية بعنوان «سيف الحرية»، وترجمته ونشرته عبر حلقات صحيفة الشرق الأوسط.
الكتاب كشف جانباً بالغ الحساسية من كواليس «حرب الظل» التي تخوضها إسرائيل في المنطقة، وفضح الأكاذيب التي روّجتها جماعة الإخوان حول غلق الرئيس السيسي لمعبر رفح لقتل الفلسطينيين، وعرّى حقيقة الجماعة في إسطنبول ولندن، مؤكداً أن القاهرة كانت السد المنيع أمام مشروع التهجير. كما أقر بدور مصري حاسم أسقط أخطر مشروع إسرائيلي خلال حرب غزة، إضافة إلى تفاصيل عمليات اختراق واغتيال في العمق الإيراني.
يكشف كوهين بوضوح أن فكرة تهجير نحو مليون ونصف فلسطيني من غزة إلى سيناء كانت «مشروعاً إسرائيلياً كاملاً»، جرى وضعه داخل «الكابنيت» الأمني، وأنه كلف شخصياً بتسويق الخطة لدى عدد من العواصم العربية والدولية.
ويقول إن الهجوم على القطاع في 7 أكتوبر 2023 دفعه لطرح ما وصفه بـ«خطة إنسانية لتقليل الخسائر»، تقوم على نقل سكان القطاع مؤقتاً إلى سيناء تحت إدارة دولية، بدعوى أن العودة ستكون مضمونة بعد الحرب.
غير أن خطة التهجير سقطت سريعا أمام الرفض المصري القاطع.
فبحسب اعتراف كوهين، كان موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي «الأسوأ» بالنسبة لإسرائيل، لأنه أغلق الباب نهائيا، ووضع «خطاً أحمر» لا يمكن تجاوزه: لا تهجير من غزة.. ولا مساس بسيادة سيناء.
ويؤكد كوهين أن السيسي التزم بموقف صلب من الساعات الأولى للحرب، وأن القاهرة اعتبرت أي نقل قسري للفلسطينيين بمثابة «تصفية كاملة للقضية». وقد أدى هذا الموقف إلى انهيار المشروع الإسرائيلي قبل أن تتاح له فرصة التنفيذ، رغم الضغوط التي حاول كوهين ممارستها على الولايات المتحدة ودول أوروبية وآسيوية لضمان توافق دولي على الخطة.
استعرض كتاب كوهين أيضا تفاصيل عملية اختراق قلب المشروع النووي الإيراني، التي يعتبرها «أعظم إنجاز» في تاريخه المهني.
فبعد سنوات من العمل داخل إيران، نجح فريق الموساد في مطلع عام 2018 في سرقة أكثر من 50 ألف صفحة وملف وصندوق معدني يحتوي على أسرار البرنامج النووي، من مستودع شديد التحصين في طهران.
ويقول كوهين إن العملية لم تكن مجرد «اقتحام»، بل نتاج سنوات من بناء شبكة معقدة داخل إيران، تضم أكاديميين ومهندسين ومسؤولين حكوميين، تمكنوا من اختراق طبقات متعددة داخل النظام.
أحد أهم عناصر العملية كان شخصية يطلق عليها كوهين اسم «فريد»، عالم ذرة إيراني كان يعمل مساعداً للعقل المدبّر للمشروع النووي، محسن فخري زاده.
ويصف كوهين «فريد» بأنه «البوابة الذهبية» التي أدت إلى فهم داخلي دقيق للبرنامج الإيراني، مؤكدا أن جزءا مهما من التطوير جاء عبر خبرات حصلت عليها إيران من شبكة عبد القدير خان في باكستان، وليس من كوريا الشمالية كما كان شائعات.
بعد سرقة الأرشيف، وضعت إسرائيل هدفا واحدا، تمثل قي إنهاء دور مهندس المشروع النووي.
وبحسب كوهين، استغرقت عملية اغتيال فخري زاده في نوفمبر 2020 أكثر من عام من التخطيط، وتضمنت تهريب رشاش آلي يزن نحو طن إلى داخل إيران «قطعة قطعة»، وإعادة تجميعه فوق قاعدة مخفية على شاحنة تقاد عن بعد.
ويكشف أن السلاح كان متصلا بحاسوب يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحديد الهدف بدقة، وأن القناص كان يشاهد المشهد لحظة بلحظة من غرفة عمليات في تل أبيب.
وعندما وصلت سيارة فخري زاده إلى نقطة الاغتيال، أُطلقت 15 رصاصة أصابته بشكل مباشر، فيما لم تصب زوجته التي كانت بجانبه، ثم فجرت الشاحنة لإخفاء الأدلة.
هذه العملية، وفق كوهين، تسببت في صدمة داخل المؤسسة الإيرانية، وعززت الانقسام بين وزارة المخابرات والحرس الثوري حول مسؤولية الفشل الأمني.
لا يخفي كوهين طموحه السياسي في كتابه، ويعرض عملياته الاستخباراتية كأنها بطولات شخصية، لكن اعترافاته تكشف الكثير مما لم يقصده تمثلت قي فشل استخباراتي شامل أدى إلى صدمة 7 أكتوبر، وهشاشة تأثير إسرائيل الدولي مقارنة بتعاطف العالم مع غزة، وانكشاف مخططات إسرائيل السياسية بعد شهادة مسؤول من قلب المؤسسة الأمنية، والدور الحاسم لمصر في إفشال أخطر مشروع استراتيجي إسرائيلي منذ عقود، كما يلقي اعترافه بالتهجير الضوء على حدود القوة الإسرائيلية، ومقدار ما يمكن أن يوقفه موقف سياسي عربي صارم مثل الذي اتخذه الرئيس السيسي.
تكمن أهمية اعترافات يوسي كوهين في أنها ليست تحليلات أو تسريبات، بل رواية رسمية من أعلى سلطة استخباراتية سابقة في إسرائيل، فهي تكشف أن إسرائيل سعت لفرض أمر واقع كارثي عبر التهجير، والقاهرة أوقفت المشروع تماماً، وأن إسرائيل تواصل حرباً خفية ضد إيران، لكنها ليست بمنأى عن الفشل، وان المنطقة تعيش صراعا مفتوحا بين مشاريع التصفية ومشاريع الصمود.
إن ما أورده كوهين رغم ما فيه من مبالغات في تمجيد شخصه تثبت من حيث لا يدري اعترافا بفشله، يمثل وثيقة سياسية وأمنية تكشف الكثير عن طريقة تفكير صانع القرار في إسرائيل، كما يمنح مصر وفلسطين والعالم العربي دليلا آخر على أن القوة ليست في السلاح فقط، بل في الموقف، وفي القدرة على إيقاف ما ظنّته إسرائيل قدرا محتوما.





